مرض الطاعون,معلومات عن مرض الطاعون

يتكون موضوع الطاعون من ,
نظرة عامة عن مرض الطاعون,
تاريخ انتشار مرض الطاعون,
لمحة عن تاريخ وباء أوروبا,
نابليون ومرض الطاعون,
لمحة عن مسبب المرض ,

تعددت الأزمات والكوارث التي مر بها العالم ولعل أشهرها الأمراض الخطيرة التي تفتك بكثير من الناس ومن أشهر هذه الأمراض مرض الطاعون.

للطاعون أثر كبير في تاريخ العالم. لقرون عديدة كان الطاعون يشكل كارثة حقيقية لمن يعيشون في آسيا وأفريقيا وأوروبا, حيث أنه قد قيل أن بلاد كثيرة سكانها قد تضرروا لدرجة أنه لم يتبق ما يكفي من الأحياء للقيام بدفن الأموات.

ولأن سبب مرض الطاعون لم يكن معروفا وقتها كان انتشاره يسبب موجات من الرعب والهلع في البلاد التي ظهر فيها، مما أدى إلى ربطه ببعض الخرافات والسحر والظواهر الخارقة. وقد أدى هذا إلى اتهام مجموعات من الناس الأبرياء بتسببهم في نشر الطاعون وتم إعدامهم. وقد تم تخليد بعض صور أهوال الطاعون في العصور الماضية في أعمال فنية وأدبية كثيرة. ولهذا فقد ترسب في وجداننا الخوف من الطاعون, فما هو مرض الطاعون؟

نظرة عامة عن مرض الطاعون

تعددت التعاريف المختلفة للطاعون عبر التاريخ الإسلامي:
الطاعون لغة:
جاء في لسان العرب أنه: المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان، وهذا التعريف غير دقيق.

ما جاء في المعجم الوسيط: داءٌ وَرَمِيٌّ وبائي سببه مكروب يصيب الفئران، وتنقله البراغيث إلى فئران أخرى وإلى الإنسان (2). وهذا التعريف أصح من سابقه.

الطاعون اصطلاحاً:
التعريف الاصطلاحي الذي ذكره النووي: الطاعون: قروح تخرج في الجسد فتكون في الآباط أو المرافق أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن، ويكون معه ورم وألم شديد، وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان القلب والقيء (3)، ويؤيد ما ذهب إليه النووي الحديث الذي روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: " غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط ". (4)

التعريف العلمي الاصطلاحي: مرض معدٍ قديم بكتيري حاد ويُعد من مجموعة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان. تسبب فى كثير من الأوبئة التي حصدت الملايين في العصور القديمة والوسطى، وكان يسمى بالموت الأسود نظراً لانتشار بقع نزفية منتشرة تحت الجلد من ضمن ما يحدثه من أعراض، ومع ظهور أي وباء جديد قاتل مثل الإيدز يطلقون عليه «طاعون العصر» إشارة لما يمكن أن يسببه من خسائر فى الأرواح. يتميز الطاعون بنسبة وفاة عالية بين البشر قد تصل إلى 30% - 60% إذا, ويُصنف كأحد الأمراض الخطيرة التي تسبب أوبئة في حالة عدم السيطرة عليها.

تاريخ انتشار مرض الطاعون

تسبب الطاعون في ذعر ورعب أكثر من أي مرض معدي آخر, وقد تسبب في وفاة ما يقرب من 200 مليون شخص, وقد وضع هذا المرض علامة لنهاية العصور المظلمة وسببا من أسباب تقدم البحث الطبي, وقد تسبب الطاعون في تفشى عدة أوبئة epidemics كما تسبب في عدد من الأوبئة الشهيرة pandemics شملت مناطق كبيرة وممتدة من العالم.

الأول انتشر من منطقة الشرق الأوسط إلى حوض البحر المتوسط خلال القرن الخامس والسادس وتسبب في مقتل نصف سكان هذه المناطق.

و الثاني ضرب أوروبا ما بين القرن الثامن والرابع عشر وتسبب في وفاة حوالي 40 بالمائة من شعوب أوروبا.

والثالث بدأ من الصين عام 1855 ميلادي وانتشر إلى القارات الأخرى.

وسنورد بعض الأمثلة عن أشهر الأوبئة حسب الترتيب التاريخي:

طاعون عمواس

هو وباء وقع في بلاد الشام في أيام عمر بن الخطاب سنة 18 هجريا بعد فتح بيت المقدس، وإنما سمي بطاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، وذلك لأن الطاعون نجم بها أولاً ثم انتشر في بلاد الشام فنُسب إليها، وقد قال الواقدي في طاعون عمواس: "توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرين ألفاً"، وقال غيره: "ثلاثون ألفاً". وعُرفت هذه السنة بعام الرمادة للخسارة البشرية العظيمة التي حدثت فيه.

ومما يروى عن طاعون عمواس
قال محمد بن إسحاق: عن شعبة، عن المختار بن عبد الله البجلي، عن طارق بن شهاب البجلي قال: أتينا أبا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده، فلما جلسنا قال: لا تحفوا فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تتنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها، حتى يرتفع هذا البلاء، فإني سأخبركم بما يكره مما يتقى.

من ذلك أن يظن من خرج أنه لو قام مات، ويظن من أقام فأصابه ذلك أنه لو خرج لم يصبه، فإذا لم يظن ذلك هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج وأن يتنزه عنه، إني كنت مع أبي عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس، فلما اشتعل الوجع وبلغ ذلك عمر كتب إلى أبي عبيدة ليستخرجه منه:

أن سلام عليك، أما بعد: فإنه قد عرضت لي إليك حاجة، أريد أن أشافهك بها، فعزمت عليك إذا نظرت في كتاب هذا أن لا تضعه من يدك حتى تقبل إلي.

قال: فعرف أبو عبيدة أنه إنما أراد أن يستخرجه من الوباء.

فقال: يغفر الله لأمير المؤمنين، ثم كتب إليه يا أمير المؤمنين إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره وقضاءه، فخلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي.

فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقال الناس: يا أمير المؤمنين أمات أبو عبيدة؟

قال: لا، وكأن قد.

قال: ثم كتب إليه: سلام عليك، أما بعد فإنك أنزلت الناس أرضا عميقة، فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة.

قال أبو موسى: فلما أتاه كتابه دعاني.

فقال: يا أبا موسى، إن كتاب أمير المؤمنين قد جاءني بما ترى، فاخرج فارتد للناس منزلا حتى أتبعك بهم، فرجعت إلى منزلي لأرتحل فوجدت صاحبتي قد أصيبت فرجعت إليه وقلت: والله لقد كان في أهلي حدث. فقال: لعل صاحبتك قد أصيبت؟.

قلت: نعم.

فأمر ببعير فرحل له، فلما وضع رجله في غرزه طعن.

فقال: والله لقد أصبت، ثم سار بالناس حتى نزل الجابية ورُفع عن الناس الوباء.

وقال محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن شهر بن حوشب، عن رابة - رجل من قومه -: وكان قد خلف على أمه بعد أبيه، وكان قد شهد طاعون عمواس.

قال: لما اشتعل الوجع، قام أبو عبيدة في الناس خطيبا فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لأبي عبيدة منه حظه، فطعن، فمات.

واستخلف على الناس معاذ بن جبل، فقام خطيبا بعده، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذ يسأل الله تعالى أن يقسم لآل معاذ منه حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم قام فدعا لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقلب ظهر كفه، ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا.

فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام فيهم خطيبا، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصنوا منه في الجبال.

فقال أبو وائل الهذلي: كذبت والله لقد صحبت رسول الله ، وأنت شر من حماري هذا.

فقال: والله ما أرد عليك ما تقول، وأيم الله لا نقيم عليه.

قال: ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ودفعه الله عنهم.

قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص فوالله ما كرهه.

قال ابن إسحاق: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، أمر معاوية على جند دمشق وخراجها، وأمر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها.

وقال سيف بن عمر عن شيوخه قالوا: لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما، وطال مكثه، وفني خلق كثير من الناس، حتى طمع العدو، وتخوفت قلوب المسلمين لذلك.

قلت: ولهذا قدم عمر بعد ذلك إلى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا لما أشكل أمرها على الأمراء، وطابت قلوب الناس بقدومه، وانقمعت الأعداء من كل جانب لمجيئه إلى الشام ولله الحمد والمنة.

وقال سيف بعد ذكره قدوم عمر بعد طاعون عمواس في آخر سنة سبع عشرة، قال: فلما أراد القفول إلى المدينة في ذي الحجة منها، خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني الله من أمركم إن شاء الله، فبسطنا بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغناكم ما لدينا، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم الفروج، وبوأنا لكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم، وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم أطعماتكم، وأمرنا لكم بأعطياتكم وأرزاقكم ومغانمكم.

فمن علم منكم شيئا ينبغي العمل به فليعلمنا نعمل به إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.

قال: وحضرت الصلاة، فقال الناس: لو أمرت بلالا فأذن؟ فأمره فأذن، فلم يبق أحد كان أدرك رسول الله وبلال يؤذن إلا بكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء، وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره .

وذكر ابن جرير في هذه السنة: من طريق سيف بن عمر عن أبي المجالد أن عمر بن الخطاب بعث ينكر على خالد بن الوليد في دخوله إلى الحمام وتدلكه بعد النورة بعصفر معجون بخمر، فقال في كتابه: إن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر فلا تمسوها أجسامكم فإنها نجس، فإن فعلتم فلا تعودوا.

فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر.

فكتب إليه عمر: إني أظن أن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه، فانتهى لذلك.

قال سيف: وأصاب أهل البصرة تلك السنة طاعون أيضا، فمات بشر كثير وجم غفير، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.

قالوا: وخرج الحارث بن هشام في سبعين من أهله إلى الشام، فلم يرجع منهم إلا أربعة.

لمحة عن تاريخ وباء أوروبا

وباء الطاعون حدث مألوف في تاريخ العصور الوسطى، فقد أزعج أوروبا اثنتين وثلاثين سنة من القرن الرابع عشر واحدي وأربعين سنة من الخامس عشر، وثلاثين سنة من السادس عشر. . . ولعله جاء مباشرة من الشرق الأدنى بواسطة الجرذان الشرقية التي ترسو على مرسيليا وذهبت رواية غير محققة في ناريون إلي أن ثلاثين ألف ماتوا في هذا الوباء، وفي باريس خمسين ألفاً، وفي أوربا خمسة وعشرين مليوناً، وربما كان المجموع (ربع سكان العالم المتحضر) وعجزت مهنة الطب أمامه فلم تكن تعلم سبب المرض. . وأضعفت شدة الألم والمأساة عقول الكثيرين فأدت إلي أمراض عصبية معدية، ويبدو أن جماعات بأسرها قد جُنت مثل (الفلاجلان) الذين ساروا عام 1349م كما فعلوا في القرن الثالث عشر في طرقات المدينة عراة أو يكادون يضربون أنفسهم في ندم. . واستمع أناس بانتباه أكثر من المألوف إلي قراء الأفكار ومفسري الأحلام والعرافين والدجالين وغيرهم من المشعوذين، وضعفت العقيدة الصحيحة وانتشرت الخرافة، وأرجع حدوث الطاعون إلي أسباب عجيبة، فنسبه بعضهم إلي اتصال في غير أوانه بين زحل والمشتري والمريخ، وآخرون إلي تسميم المجذومين أو اليهود للآبار فَقُتل اليهود في حوالي خمسين مدينة.

ويبقي عام 1347م هذا المرض في الذاكرة الجماعية للتاريخ الإنساني شيئاً مخيفاً حقاً عندما نتصور سكان أوروبا في حدود 80 إلي 100 مليون نسمة فيقضي نحبهم حوالي الثلث أو الربع، وتتصحر أوروبا عملياً، بل وتعاني من إمكانية نقل التراث المعرفي للأجيال القادمة، وتحتاج إلي ما يزيد علي مائتي عام كي تسترد عافيتها وعددها السكاني!!

كيفية انتقال وباء الطاعون في أنحاء أوروبا

بدأ المرض مثل بؤر الزلزال الأرضي وحلقات التصدع في القشرة الأرضية يتحرك مع حركات السفن والموانئ وتكاثر الجرذان في أقبية السفن المتحركة، إلي مدن أوربا القذرة التي لا تعرف نظام التصريف الصحي، ولا نظام الحمامات الإسلامية ولا الوضوء ولا الاستحمام بل كانت تلجأ إلي إغلاق الحمامات!!.

هناك في القرم حصلت معركة سخيفة بين التتار وقلعة تحصن بها جماعة من أهل البندقية الذين أسسوا مستعمرات لهم خارج إيطاليا، وتفشي الطاعون في التتار المحاصِرين فاعتراهم الغضب، فقاموا بشن أول حرب (بكتريولوجية) ربما في التاريخ الإنساني، حيث رموا بالمنجنيقات هذه المرة ليس الصخور والحجارة؛ بل الجثث المتعفنة المصابة بالطاعون؟!! فأصيب البنادقة بالرعب مرتين الأولي من مفاجأة الجثث وهي تتساقط علي رؤوسهم والثانية من رائحة الموت المتفشية مع الطاعون، ففروا علي وجوههم بسفنهم يحملون الموت إلي كل المرافيء التي وصلوها، وبذلك نشروا المرض في كل أوروبا، فلم ينته عام 1352 م إلا وكانت مدن أوربا من البندقية وفرانكفورت وباريس ولندن وكراكاكو والدانمارك والنرويج قد طمها البلاء وقوضتها المصيبة، والطاعون ليس أكثر من مرض (الرشح) الذي ينتقل عن طريق التنفس والعطس والسعال البسيط من الإنسان إلي الآخر، ولكنه يحمل الموت في أيام قليلة!!.

وكما حملت السفن جرذانها، فإن الجرذان حملت في ظهورها البراغيث اللعينة، التي تحمل بدورها في دمها العصيات الغليظة مدورة الطرفين مسببة المرض والتي لا تري إلا بالمجاهر مكبرةً آلاف المرات، والتي لم تكن لا أوروبا ولا العالم قد سمع بها، وكان علي العالم أن ينتظر طويلاً كي يبدأ الهولندي (لوفنهوك) بائع القماش صقل عدساته لرؤية العالم السفلي تحت أقدامنا، ولنكتشف القارة المجهولة التي تحيط بنا من كل صوب أقرب من حبل الوريد ولكن لا نبصرها. بل كان أمام العالم أن ينتظر كل القفزة العلمية الحديثة فالموضوع ليس مجاهر تكبر فقط بل تقدم كامل في تقنيات حضارية متضافرة لإنجاز علم الحضارة الحالية.

نابليون ومرض الطاعون

وقد هزم الطاعون نابليون على أسوار عكا حيث وصل بونابرت في 16 مارس (1799م) إلي مدينة عكا فلقي فيها مقاومة شديدة لم يكن يتوقعها، وبعد حصار دام شهرين رأى بونابرت عدد جيشه يقل شيئاً فشيئاً من جراء اشتداد الطاعون عليه وفتكه به فتكاً ذريعاً. . حينئذ صمم علي العودة إلي مصر، وفي 20 مايو صدر الأمر بالانسحاب، ووصلوا إلي يافا في 24 منه فكانت المستشفيات فيها تغص بالمرضي حيث كانت الحمى الوبيلة تحصدهم حصداً، فعادهم نابليون متفقداً أحوالهم، وقد بلغ التأثر منه حين شاهد ما صاروا إليه وما كانوا يشعرون به من العذاب. . وشاور بونابرت أصحابه في الأمر فقالوا له إن كثيرين منهم يطلبون الموت بإلحاح وأن مخالطتهم للجيش تكون وخيمة التبعة عليه وأن الحكمة والمحبة تقضيان بالإجهاز عليهم وتعجيل وفاتهم ساعات، وذكر بعضهم أنهم جرعوهم شراباً عجل موتهم. كان الجندي من حملة نابليون يتساقط من الضعف والإعياء وهو الشاب القوي الجلد الذي دخل مع بونابرت معارك لا تحصي، يسقط من عدو مجهول لا يراه ولكنه يشعر أنه دخل في دمه وعظامه وتمكن منه أيما تمكن!!

الطاعون في العصر الحديث – طاعون ليبيا

اعلنت السلطات الليبية حديثا عن ظهور وباء الطاعون الدملي في مدينة طبرق الساحلية شرق البلاد قرب الحدود مع مصر.

ويقدر عدد الحالات المعلن عنها بما بين 16 و18، وذلك اول ظهور للوباء في ليبيا منذ نحو عقدين من الزمن.

تاريخ اكتشاف مرض الطاعون ومسببه

تم وضع حجر الأساس لاكتشاف البكتيريا المسببة للطاعون بواسطة كلا من يرسين "Yersin" وكيتاساتو "Kitasato" عام 1894 وإن كانا يعملان منفصلين، إلا أن اكتشافهما للعامل المسبب لمرض الطاعون في هونج كونج فتح الطريق لمزيد من الاكتشافات حول المرض وكيفية انتشاره. فبعد دراسة عينات من العقد الليمفاوية المتورمة أو ما تسمى بالدمامل "bubo" والدم والكبد والطحال لدى المرضى المتوفيين قاما بعزل مزارع بكتيرية "cultures" ثم تم حقنها لدى بعض حيوانات التجارب ومنها الفئران، في غضون أيام ماتت جميع الحيوانات وتم العثور على نفس نوع البكتيريا التي تم اكتشافها في العينات المأخوذة من المرضى المتوفين في أعضاء هذه الحيوانات.

بالرغم من أن كلا من الطبيبين سجلا اكتشافهما، إلا أنه ظهرت بعض التناقضات في دراسة كيتاساتو مما أدى إلى اعتبار يرسين المكتشف الأساسي والأول لهذه البكتيريا وتمت تسميتها باسمه وهي Yersinia pestis

بالإضافة إلى هذا، فقد اكتشف يرسين أن الفئران قد تأثرت بالطاعون قبل انتشار الوباء بين البشر، ولهذا فقد تم ربط انتشار مرض الطاعون بالفئران، فكما يصف المزارعين في الصين

وتايوان أنهم كانوا عندما يلاحظون أعدادا كثيرا من الفئران ميتين خارج المنازل وداخلها يظهر بعدها بقليل الطاعون في هذا المكان.

اكتشاف سيموند 1898

وصف سيموند "Simond" كيفية انتقال الطاعون، حيث لاحظ أنه ليس من الضروري أن يكون الشخص على اتصال مباشر بمريض لكي يصاب بالمرض، مما نحاه لأن يشك بأن البراغيث قد تكون وسيطا لانتقال المرض من الفئران إلى البشر، خاصة وأن كل المصابين كان قد حدث إتصال بينهم وبين فئران ماتت مؤخرا، فقد أوضح سيموند أن براغيث الفئران Xenopsylla cheopis يمكن أن تنقل المرض من خلال تجربة أجراها، حيث أن فأر سليم تم عزله بعد أن كان على اتصال مباشر بفأر أخر مصاب بالمرض، فأصيب هذا الفار السليم بالمرض ومات.

لمحة عن مسبب المرض

ميكروب عصوي الشكل يسمى اليرسينية الطاعونية هذه البكتيريا تحتفظ بها القوارض مثل الفئران، وتتكاثر بداخلها وتنمو.

طريقة انتقال العدوى 

ينتقل الميكروب إلى الإنسان من خلال عض حيوان مصاب مثل الفئران أو من خلال لدغ البراغيث التي تعيش على أجسام الحيوانات المصابة والتي تشمل أنواع متعددة منها الفئران والقطط والكلاب المستأنسة والسنجاب والأرانب والجمال والخرفان ويطلق على الحيوانات المصابة لفظ العائل للمرض كما يمكن انتقال العدوى عن طريق الاستنشاق سواء كان الاستنشاق للرذاذ الصادر من الأشخاص المصابين بالطاعون الرئوي أثناء السعال, أو للهواء الملوث بالميكروب الذي يطلق أثناء حوادث إرهاب. أما الحشرات الناقلة فيطلق عليها لفظ الوسيط وهو في العادة البراغيث التي تعيش على أجساد الفئران وتوجد حشرات أخرى من الممكن أن تنقل العدوى منها القمل والقراد.

فترة حضانة الطاعون

هي الفترة من دخول الميكروب للجسم إلى ظهور الأعراض وتمتد بين 15- 67 يوماً في الطاعون الذي يصيب الغدد الليمفاوية والنوع التسممي، وما بين 2 - 4 أيام في الطاعون الرئوي.

أنواع الطاعون

النوع الذي يصيب الغدد الليمفاوية bubonic plague ويسمى أيضا بالطاعون الدملي, ويمثل حوالى ٨٤% من الإصابات بالطاعون، وينشأ هذا النوع نتيجة تقيؤ البراغيث للميكروب - أثناء عض جلد الضحية - الذي ينمو ويترعرع في مريء البرغوث والذي يسبب تراكمه عدم مرور الطعام إلى أمعاء البراغيث مما يصيب البراغيث بجوع شديد يسبب تهيجها ومصها للدماء والذي أثنائه تتقيأ الميكروب وتحقنه بجلد الضحية. والذي يتكاثر وينتشر فى مكان اللدغة، ثم ينتشر عن طريق السائل الليمفاوي إلى الغدد الليمفاوية (الحيل) الموجودة فى هذه المنطقة، ثم الموجودة فى الجسم كله، مما يسبب تضخمها في الحجم، وارتفاعاً فى درجة الحرارة وحدوث آلام شديدة بها، وأحياناً تقرحات ونزفاً، وفي هذه الأثناء تفرز بكتيريا الطاعون سموماً خطيرة B-adrenergic blocker تسبب مضاعفات قد تنتهي بالوفاة.
ويغزو الميكروب والذي يتكاثر وينتشر فى مكان اللدغة، ثم ينتشر عن طريق السائل الليمفاوي إلى الغدد الليمفاوية (الحيل) الموجودة فى هذه المنطقة، ثم الموجودة فى الجسم كله، مما يسبب تضخمها في الحجم، وارتفاعاً فى درجة الحرارة وحدوث آلام شديدة بها، وأحياناً تقرحات ونزفاً، وفي هذه الأثناء تفرز بكتيريا الطاعون سموماً خطيرة B-adrenergic blocker تسبب مضاعفات قد تنتهى بالموت. حيث يصيب الغدد الليمفاوية المجاورة لمناطق اللدغ مسببا التهابها كما بالصورة إلى أسفل.

ثم ينتشر الميكروب إلى كل الجسم عن طريق الجهاز الليمفاوي ويسبب هذا النوع وفاة من 1 إلى 15 بالمائة من الحالات التي يتم علاجها بينما يسبب وفاة من 40 إلى 60 بالمائة من الحالات إذا تركت دون علاج.

النوع الذي يصيب الرئتين Pneumonic plague وهو أخطر أنواع الطاعون، ويمثل حوالى ٣% من حالات العدوى، وتتراوح فترة الحضانة لهذا النوع ما بين ١- ٤ أيام، وينشأ هذا النوع نتيجة استنشاق الميكروب الموجود بالهواء عند تلوثه بالرذاذ الصادر من المصابين بالطاعون الرئوي نتيجة السعال أو الذي يلوث الهواء أثناء إطلاقه في الحرب البيولوجية, وأعراضه تتمثل فى ارتفاع فى درجة الحرارة - صداع – إحساس بالضعف والهزال - كحة - ضيق تنفس - سعال أو قىء مصحوب بدم. ونسبة الوفيات من هذا النوع من الطاعون تتراوح ما بين ٥٠ - ٩٠%. ويتم تشخيص مرض الطاعون عن طريق تحليل PCR من أجل اكتشاف الحامض النووى للبكتيريا المسببة للطاعون، كما يمكن فحص البكتيريا وعزلها وصباغتها بصبغة «رايت جيمسا» ورؤيتها تحت الميكروسكوب.

النوع التسمميSepticemic plagu ويحدث فى ١٣% من حالات العدوى، وهو النوع الذي يلوث فيه الميكروب الدم بالجسم كله, ويكون مصدر تلوث الدم إما العض المباشر للبراغيث الناقلة أو انتشاره إلى الدم من الأنواع السابق ذكرها، حيث تسبب العدوى البكتيرية تلوثاً فى الدم، وتبدأ السموم الداخلية «إندوتوكسين» للبكتيريا تنتشر فى الدم، وتحدث حالة متناقضة من التجلطات داخل الأوعية الدموية، والنزيف DIC الذي قد يظهر على شكل بقع نزفية غامقة تحت الجلد (وهو ما أعطاه اسم الموت الأسود) أو من أماكن مختلفة من الجسم داخلياً وخارجياً، وكحة أو قيئاً مصحوباً بدم، مع حدوث أعراض التسمم، واستخدام المضادات الحيوية مثل: ستريبتومايسين، جنتامايسين، كينولونز، دوكسى سيللين فى مرحلة مبكرة يقلل من نسبة حدوث الوفيات لتصل إلى ٤ - ١٥%، والأشخاص الذين يموتون من هذا النوع يموتون فى نفس يوم ظهور الأعراض المرضية عليهم.

العوامل التي تزيد من خطر التعرض للإصابة بالطاعون

  1. العيش في المناطق الريفية وخاصة الأماكن التي ينتشر بها الطاعون. 
  2. العيش بأماكن بها فئران مصابة أو حيوانات أخرى من القوارض والتي تشكل عائلا للمرض. 
  3. المشاركة في أنشطة بالبراري مثل المعسكرات والتنزه سيرا على الأقدام لمسافات بمناطق الإصابة والنوم بهذه المناطق أو الصيد. 
  4. التعرض للدغ البراغيث. 
  5. مخالطة المرضى بالطاعون. 
  6. العمل بمجال الطب البيطري. 

أعراض مرض الطاعون

قد تختلف أعراض الطاعون باختلاف أنواعه:

1- بالنسبة للطاعون الدملي Bubonic plague

في خلال 2 – 6 أيام من التعرض لبكتيريا الطاعون، تظهر أعراض مشابهة للانفلونزا، منها:
الحمى, الصداع, الإحساس بالبرد والرعشة, الإحساس بالضعف, التقيوء, ألم في المعدة, إسهال، قد يصاحبه دم, انخفاض الشهية, تورم الغدد الليمفاوية lymph glands، تسمى دمامل "buboes" ومن هنا جاءت تسمية "الطاعون الدملي Bubonic plague".

2- بالنسبة للطاعون التسممي Septicemic plague:

أعراض الطاعون الدملي قد تتطور لتظهر بعدها أعراض الطاعون التسممي، وقد تظهر أعراض الطاعون التسممي وحدها بدون ظهور أعراض الطاعون الدملي أولا.
وتتمثل أعراض الطاعون التسممي في ما يلي:
- الإحساس بالبرد والرعشة - الحمى - تسارع ضربات القلب - صداع شديد - الشعور بالغثيان - التقيوء - الهذيان - وأخيرا الموت.
قد يسبب الطاعون التسممي بما يسمى بالتجلط الداخل الوعائي المنتثر Disseminated Intravascular Coagulation أو "DIC"، وهو عبارة عن تكون جلطات دم صغيرة داخل الأوردة الدموية في مختلف أنحاء الجسم مما يستهلك جميع البروتينات المسئولة عن التجلط والصفائح الدموية، فيتوقف التجلط الطبيعي للدم ويحدث نزيف غير طبيعي للدم من الجلد وداخل الجهاز الهضمي والتنفسي.
قد يحدث أيضا نخر في الأوعية الدموية والأنسجة في الأطراف distal necrosis مما يتطور إلى حدوث غرغرينا gangrene، وهذا قد يكون سبب تسمية الطاعون بالموت الأسود نتيجة لتحول الأطراف للون الأسود.

3- بالنسبة للطاعون الرئوي Pneumonic plague:

تظهر الأعراض بعد 1–3 أيام من الإصابة. من أول علامات الإصابة:
الحمى- الإحساس بالضعف- الصداع- قد تتطور سريعا إلى ذات الرئة (التهاب رئوي)

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.