حروب الردة,معلومات عن حروب الردة
حروب الردة,معلومات عن حروب الردة
بدأت حروب الرّدّة من11هـ--632م./ الى 13هـ --634م.)
اعتقاد قسم من القبائل أنّ ولائهم السّياسي للرسول محمد كان ولاءا شخصيًّا ينتهي بوفاة الرسول محمد بن عبد الله.
عدم تعوّد قسم من القبائل الخضوع للنظام الذي اقرّه الإسلام من تحريمات مثل: تحريم الخمر، والميسر والزنا والربا وغيرها.
رفض القبائل الخضوع لحكم أبي بكر الصديق بسبب العصبيّة القبليّة.
الأحداث
وكان المرتدون فريقين، أولهما قد سار وراء من أعلنوا نبوتهم أمثال مسيلمة وطليحة والأسود، وآمنوا بما يقولونه، وثانيهما بقي على إيمانه بأركان الدين الإسلامي بأن آمن بالله وشهد بنبوة محمد وأقام الصلاة، إلا أنه قد رفض تأدية فريضة الزكاة وعدّها ضريبة يدفعها مكرهاً، وقد أرسل هذا الفريق الثاني وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة الرسول محمد بن عبد الله، وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة، عدا العباس بن عبد المطلب، وقد وافق عدد من كبار المسلمين على قبول ما جاءت به رسل الفريق الثاني، وناقشوا في ذلك الأمر أبا بكر، ومنهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم، إلا أن أبا بكر قد رفض منهم ذلك، وقال قولته المشهورة "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لجاهدتهم عليه".
وقال عمر لأبي بكر ما: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله : أَمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله. فقال أبو بكر : والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (الأنثى الصغيرة من الماعز) لقاتلتهم على منعهم.
وهكذا رأى أبو بكر أن الاسلام كل لا يتجزأ وليس هنالك من فرق بين فريضة وأخرى، والزكاة وإن كانت من النظام الاقتصادي، إلا أنها ركن من أركان الاسلام، وعبادة بحد ذاتها، ولا يمكن تطبيق جزء من الإِسلام وإهمال آخر. ورأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل إذ زلزلت الأرض بالردة والنفاق.وقال عمر : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم، فأجابه أبو بكر : رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك؟ أجبار في الجاهلية وخوار في الإِسلام؟ إنه قد انقطع الوحي، وتمَ الدين، أوَ ينقص وأنا حي؟ أليس قد قال رسول الله إلا بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة، والله لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي.
وردّ أبو بكر وفد المنافقين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة، مسفهاً رأيهم، مستمسكاً بالحق في إجبارهم على الخضوع الصحيح للدين فعاد رجال الوفد إلى قبائلهم وأخبروهم بقلة عدد المسلمين - وكان جيش أسامة قد انطلق - وأطمعوهم بغزو المدينة.
وبعد أن قاتل أبو بكر الصديق عبس وذبيان (بالأبرق) من أرض (الرَّبّذة) وهزمهم، اتجه قسم منهم إلى (البزاخة)، وهي ماء لبني أسد، وهناك طليحة بن خويلد الأسدي، فلما عقد أبو بكر الألوية، طلب من خالد أن يسير إلى أرض طيء لتنخذل طيء وعبس وذبيان، وأظهر أن أبا بكر سيتجه إلى خيبر ومن هناك سيرفد خالداً في بلاد طيء.
وكان خالد قد عاد إلى المدينة والتقى بأبي بكر وذلك بعد الانتهاء من البطاح، فاعتذر لأبي بكر فرضي عنه، وأرسله إلى مسيلمة الكذاب، فسار إلى البطاح والتقى بجنده هناك وانتظر حتى جاءه المدد، فقام إلى مسيلمة. ولما وصل إليها كان شرحبيل بن حسنة قد سابقه في قتال القوم فهزم، وكان يساعده بعض بني حنيفة بإمرة ثمامة بن أثال، فلام خالد شرحبيل في تسرعه: وعسكر مسيلمة في بني حنيفة في عقرباء في أعلى وادي حنيفة - وتسمى اليوم الجبيلة - وسلك خالد ثنية في جبل اليمامة (طويق) وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب أخو عمر، وأبو حذيفة بن عتبة، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس.
وكان ضرار بن الأزور قد سار في قسم من الجند من ثنية من الشمال، ونزلوا من جهة (ملهم) (قرية من قرى اليمامة، ولا تزال معروفة حتى يومنا، تقع إلى الشمال من الرياض على بعد ستين كلم منها) إلى عقرباء، وجرت معركة حامية الوطيس تراجع المسلمون في أولها حتى دخل بنو حنيفة على خالد في فسطاطه، ثم حمل المسلمون حملة رجل واحد أزالت المرتدين عن مواقعهم، وأجبرت مسيلمة الالتجاء إلى حديقة عرفت باسم حديقة الموت، وفيها صرع مسيلمة الكذاب وعدد كبير من جنده، واستشهد من المسلمين عدد من القراء ووجهاء الناس، منهم زيد بن الخطاب وثابت بن قيس وغيرهم كثير.
اتجه عكرمة في أثر حذيفة وعرفجة فأدركهما قبل الوصول إلى عمان، وهناك راسلوا جيفرا وعبادا، وعسكر المسلمون في صحار (قصبة عمان مما يلي الجبل، وهي طيبة الهواء والخيرات والفواكه، مبنية بالآجر والساج، كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها. ولا تزال قائمة إلى الآن بين مسقط والفجيرة).
تجمعت جموع لقيط في دبا، وجرت معركة بين الطرفين كاد ينجح فيها لقيط لولا النجدات التي وصلت للمسلمين من البحرين وغيرها، فانتصر المؤمنون، وهزم لقيط، واستولى المسلمون على الغنائم، وارسلوا الخمس مع عرفجة إلى أبي بكر الصديق، وبقي حذيفة يدير شؤون عمان، وسار عكرمة إلى مهرة. وكان القوم فيها قد ارتدوا، إلا أنهم اختلفوا فقسم منهم في السواحل مع (شخريت) وهم أقل عدداً، وبدأ بهم عكرمة، فدعاهم للإِسلام، فوافقوا، الأمر الذي أضعف القسم الثاني الذين كانوا في المناطق المرتفعة مع (المصبح)، فهزموا أمام المسلمين الذين حازوا على الغنائم، فأرسل عكرمة الخمس مع (شخريت) إلى المدينة المنورة.
ووصل الخبر إلى أبي بكر فحارب المرتدين بأن أرسل إليهم الرسل والكتب كما كان يفعل رسول الله فلما رجع جيش أسامة من غزوه، وعقد أبو بكر الألوية، بعث (عَتَّابُ بن أسيد) عامل مكة أخاه خالد بن أسيد إلى المرتدين في تهامة فغلبهم. وتحرك كذلك بتهامة اليمن الأخباث من عك والأشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة، وأخبر بذلك أبا بكر، فانتصر الطاهر قبل أن يصل إليه كتاب وجواب أبي بكر. وأرسل أبو بكر جرير بن عبد الله البجلي إلى بجيلة وخثعم فانتصر عليهم، وأقام بنجران حسب أوامر الخليفة.
وأرسل أبو بكر كتاباً إلى طاهر بن أبي هالة يأمره بأن يسير إلى صنعاء لمساعدة المسلمين، كما كتب إلى عبد الله بن ثور أن يجمع إليه من استجاب له من أهل تهامة، وينتظر التعليمات.
أرسل أبو بكر المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، فسار عن طريق مكة، فمشى معه خالد بن أسيد، ومرّ بالطائف، فمشى معه عبد الرحمن بن أبي العاص، ثم انضم إليه جرير بن عبد الله البجلي بالسراة، وعبد الله بن ثور بتهامة، كما أنضم إليه من نجران فروة بن مسيك، فأوثق المهاجر عمرو بن معد يكرب، وقيس بن عبد يغوث المكشوح وهما من المرتدين، وأرسلهما إلى أبي بكر. ووصل المهاجر إلى صنعاء ودخلها، ولاحق شذاذ القبائل الذين هربوا.
وسار المهاجر إلى حضرموت، كما سار إليها عكرمة بن أبي جهل، فالتقيا في مأرب، فاقتحما حضرموت، وأرسل خمس الغنائم إلى أبي بكر ومعها الأشعث بن قيس الكندي أسيرا، وبقي في المدينة حتى خرج مجاهداً إلىالعراق، واختار المهاجر بن أبي أمية العمل في اليمن فكان هو وفيروز، وبقي في حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعبيدة بن سعد.
وكان قد قام في جواثا رجل من أشرافهم، وهو الجارود بن المعلى، خطيباً وقد جمعهم فقال: يامعشر عبدالقيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه، ولا تُجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا:سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا:نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمد صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.
وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة في البحرين، فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في حشد كبير، وجاء بعض أُمراء تلك النواحي رفداً إلى جيش العلاء، ولما اقترب من المرتدين وحشودهم الضخمة نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، ودنا من خندقهم فأخذوه، وكانت أمه عجلية، فجعل ينادي: يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: علام أُقتل وحولي عسكر من عجل وتيم اللات وغيرها؟ فخلصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني، فقد مت جوعاً، فقرب له طعاماً فأكل، ثم قال:زودني واحملني،يقول هذا والرجل قد غلب عليه السُكُر، فحمله على بعير وزوده وجوزه. وجد عبد الله بن حذف المرتدين سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إلى العلاء فأخبره، فركب العلاء من فوره بجيشه، وانقض على المرتدين فقتلوهم،إلا قسم استطاع الفرار والهرب.
وغنم المسلمون جميع أموالهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة.
ثم أمر الصديق رضي الله عنه - بعد قهر مسيلمة ومقتله - عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عُمان، ، ثم كتب الصديق إلى حذيفة وعرفجة أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من المسير من عُمان أو المقام بها.فلحق عكرمة بحذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عُمان، فساروا جميعاً فلما اقتربوا من عُمان راسلوا جيفراً من مكان يُسمى "رجاماً"، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فعسكر في جموعه بِدَبَا، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، واجتمع جيفر وعبد بمكان يقال له صُحار فعسكرا به، وبعثا إلى أُمراء الصديق فقدمواعلى المسلمين، قتقابل الجيشان هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وجاء المسلمين في الساعة المناسبة مَدَدٌ من بني ناجية وعبد القيس فقتل من المرتدين عشرة آلاف مقاتل، وتم النصر للمسلمين والقضاء على المرتدين في عُمان.
وتقدم خالد رضي الله عنه بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يُشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب، وراية المُهاجرين مع سالم مولى أبي حُذيفة، وهو على الميمنة، وعلى الميسرة شجاع بن وهب، وعلى الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليهاأسامة بن زيد ، وقاتل البراء راجلاً، ثم أعاده خالد على قيادة الخيل فصنع الأعاجيب.وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها.
وكانت الصدمة الأولى في المعركة عنيفة قاسية، انهزم الأعراب خلالها، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد، وهموا بقتل أم تميم زوجته. وتنادى كبار الصحابة وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم، و نادوا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار، وصار البراء بن معرور كالأسد الثائر، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بَطُلَ السحر اليوم، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتاً حتى استشهد رضي الله عنه.
وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نُؤتي من قِبَلَك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس، عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قُدُماً،وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأُكلمه بحجتي، فقتل شهيداً رضي الله عنه.
وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى اخترق صفوف المرتدين ووصل قُبالة مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا للمبارزة،ثم نادى بِشعار المسلمين، وكان شعارهم يومئذ: يا محَّمداه، وجعل لا يبرز إليه أحد من المرتدين إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا صرعه،واقترب خالد رضي الله عنه من مسيلمة، وعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فأبى، فانصرف عنه خالد وعزل الأعراب عن المهاجرين والأنصار، وجعل كل قبيلة على رايتها يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يُؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى المرتدون الأدبار.
وتبع المسلمون المرتدين يقتلون منهم وهم مدبرون، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخلوها، فدخلوها وفيها مسيلمة، وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وقال قائل: يا أبا ثمامة، أين ما كنت وعدتنا؟ فقال أبو ثمامة - أي مسيلمة -: أما الدين فلا دين،ولكن قاتلواعن أحسابكم، فاستيقن القوم أنهم كانوا على غيرشيئ.وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة.
وقال البراء بن مالك:يامعشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة،فاحتملوه فوق التروس، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم،فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية لا محالة.
ووصل المسلمون في الحديقة إلى مسيلمة، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، يخرج الزبدُ من شدقيه من غيظه وحرج موقفه وانهيار بنيان زعامته، فتقدم وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة رضي الله عنه - فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من قصر مسيلمة: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود (أي وحشي).
يقول وحشي: فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، رأيت مسيلمة الكذاب قائماً في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يُريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري - عبد الله بن زيد - بالسيف فربُك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس.
حروب الردة |
ماهى حروب الردة
هي الحروب التي حدثت بعد وفاة رّسول الإسلام محمد بسبب ارتداد غالبيّة العرب عن الإسلام، فلم يبقَ مواليًا لحكم ابي بكر سوى القبائل المحيطة بالمدينة بالإضافة إلى سكان المدينة، ومكة، والطائف. لقد قرّر الخليفة أبو بكر الصّديق مقاتلة جميع المرتدّين ولم يترك أحدًا منهم رغم توجّه بعد الصّحابة إليه أن يترك من امتنع عن دفع الزّكاة من القبائل. فأرسل الجيوش الإسلاميّة بقيادة عكرمة بن أبي جهل لمحاربة لقيط بن مالك في دبا فحاربه حتى قتل في المعركة. ومن ثم خالد بن الوليد لمحاربة مسيلمة الكذاب. وإنتصر خالد على مسيلمة في معركة اليمامة التي كانت من أقسى المعارك التي خاضها المسلمون.أسباب الرّدّة
رفض قسم من القبائل دفع الزكاة حيث اعتبرتها ضريبة واعتبرت دفعها خضوعًا مهينًا لها.اعتقاد قسم من القبائل أنّ ولائهم السّياسي للرسول محمد كان ولاءا شخصيًّا ينتهي بوفاة الرسول محمد بن عبد الله.
عدم تعوّد قسم من القبائل الخضوع للنظام الذي اقرّه الإسلام من تحريمات مثل: تحريم الخمر، والميسر والزنا والربا وغيرها.
رفض القبائل الخضوع لحكم أبي بكر الصديق بسبب العصبيّة القبليّة.
الأحداث
وفاة الرسول
لما توفي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول الدين الإسلامي، اتسع نطاق الردة في كل مكان ، ثم إن المناطق التي تقع إلى الشمال من المدينة، قد خاف أهلها بإرسال جيش أسامة، وقالوا: لو لم يكن للمسلمين قوة لما أرسلوا مثل هذا الجيش، فلنترك الأمر إلى قتالهم مع الروم، فإن انتصر الروم فقد كفونا القتال، وإن انتصر أسامة فقد ثبت الإِسلام، وهذا ما جعل الردة تنكفأ في تلك البقاع.وكان المرتدون فريقين، أولهما قد سار وراء من أعلنوا نبوتهم أمثال مسيلمة وطليحة والأسود، وآمنوا بما يقولونه، وثانيهما بقي على إيمانه بأركان الدين الإسلامي بأن آمن بالله وشهد بنبوة محمد وأقام الصلاة، إلا أنه قد رفض تأدية فريضة الزكاة وعدّها ضريبة يدفعها مكرهاً، وقد أرسل هذا الفريق الثاني وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة الرسول محمد بن عبد الله، وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة، عدا العباس بن عبد المطلب، وقد وافق عدد من كبار المسلمين على قبول ما جاءت به رسل الفريق الثاني، وناقشوا في ذلك الأمر أبا بكر، ومنهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم، إلا أن أبا بكر قد رفض منهم ذلك، وقال قولته المشهورة "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لجاهدتهم عليه".
وقال عمر لأبي بكر ما: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله : أَمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله. فقال أبو بكر : والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (الأنثى الصغيرة من الماعز) لقاتلتهم على منعهم.
وهكذا رأى أبو بكر أن الاسلام كل لا يتجزأ وليس هنالك من فرق بين فريضة وأخرى، والزكاة وإن كانت من النظام الاقتصادي، إلا أنها ركن من أركان الاسلام، وعبادة بحد ذاتها، ولا يمكن تطبيق جزء من الإِسلام وإهمال آخر. ورأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل إذ زلزلت الأرض بالردة والنفاق.وقال عمر : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم، فأجابه أبو بكر : رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك؟ أجبار في الجاهلية وخوار في الإِسلام؟ إنه قد انقطع الوحي، وتمَ الدين، أوَ ينقص وأنا حي؟ أليس قد قال رسول الله إلا بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة، والله لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي.
وردّ أبو بكر وفد المنافقين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة، مسفهاً رأيهم، مستمسكاً بالحق في إجبارهم على الخضوع الصحيح للدين فعاد رجال الوفد إلى قبائلهم وأخبروهم بقلة عدد المسلمين - وكان جيش أسامة قد انطلق - وأطمعوهم بغزو المدينة.
الدفاع عن المدينة المنورة
وكان أبو بكر عندما عاد إلى المدينة بعد أن شيعَ جيش أسامة قد جعل كبار الصحابة على منافذ المدينة إلى البادية، ومنهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وطلب من أهل المدينة أن يكونوا في المسجد استعداداً لكل طارئ، وقال لهم: إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم قلة، وإنكم لا تدرون أليلاً تؤتون أما نهاراً وأدناهم منكم على بريد، وقد كان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم، ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدّوا.
كان أبو بكر يريد أن يؤخر قتال المنافقين والمرتدين حتى يعود جيش أسامة، لذا كان يستقبل الرسل ويبعث بآخرين، إلا أنه في الوقت نفسه أراد بعض المنافقين أن يستغلوا الفرصة ويهاجموا المدينة قبل عودة الجيش الإِسلامي من بلاد الروم، وقبل استكمال المسلمين لقوتهم. فلم تمض أيام ثلاثة على عودة أبي بكر إلى المدينة من تشييع أسامة حتى داهمت المدينة غارة ليلاً، وقد اطمأن المغيرون إلى أن الجيش الإِسلامي قد ابتعد عن المدينة وأوغل في البعد.
وصلت الغارة إلى المدينة المنورة وقد خلفت وراءها قوةً ردءاً لها في ذي حسى(موقع قرب المدينة)، وعندما طرقت الغارة الأنقاب وجدت عليها المقاتلة، ووراءهم أقوام أشبه بالمراسلين، فأوصلوا الخبر إلى أبي بكر في المسجد، فأرسل أبو بكر إلى المقاتلة عن الأنقاب أن اثبتوا، وسار بأهل المسجد إلى الأنقاب، فانهزم المغيرون وولوا الأدبار، ولحقهم المسلمون على إبلهم حتى (ذي حسى)، فوجدوا الردء هناك، وقد نفخوا الأنحاء(ضروف السمن)، وربطوها بالجبال، ودهدهوها(دفعوها) بأرجلهم في وجه إبل المسلمين، فنفرت الإبل ورجعت بالمسلمين إلى المدينة، فأرسل المنافقون إلى إخوانهم في ذي القصة (مكان يبعد 35 كيلو متراً عن المدينة) بالخبر، فأسرعوا إليهم، وحضر أبو بكر ليلته، ثم خرج في آخر الليل ماشياً، وعلى الميمنة النعمان بن مقرن، وعلى الميسرة عبد الله بن مقرن (أخو النعمان)، وعلى الساقة سويد بن مقرن (أخو النعمان)، فلما أصبح الصباح لم يشعر المنافقون إلا والمسلمون يعجلون فيهم السيف. فلما كانت ضحوة ذلك النهار ولّى المنافقون الأدبار، ووصل المسلمون إلى (ذي القصة)، ترك أبو بكر النعمان بن مقرن في عدد من المسلمين، ورجع هو بالناس إلى المدينة.
ارتفعت معنويات المسلمين في هذا النصر، وثبت مسلمو القبائل على دينهم، وجاء نصر آخر إذ وصلت إلى المسلمين أموال الصدقات من عدة جهات، فقد جاء صفوان بن صفوان بن أسيد التميمي بصدقات بني عمرو من تميم وذلك في أول الليل من جهة النقب الذي عليه سعد بن أبي وقاص. وجاء الزبرقان بن بدر في وسط الليل بصدقات من غطفان من جهة النقب الذي عليه عبد الرحمن بن عوف وجاء عدي بن حاتم الطائي في آخر الليل بصدقات قومه من جهة النقب الذي عليه عبد الله بن مسعود، وكان ذلك بعد مسير جيش أسامة بن زيد بشهرين كاملين، ثم كان النصر الثالث إذ لم تمض عشرة أيام حتى رجع جيش أسامة غانماً ظافراً، فاستخلف أبو بكر أسامة بن زيد على المدينة، وقال له: أريحوا وأريحوا ظهركم، ثم خرج في الذين خرجوا إلى (ذي القصة) والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون : ننشدك الله يا خليفة رسول الله، أن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامكم أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن تصب أمرت آخر، وجاء علي بن أبي طالب بزمام راحلة وقال له: أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد: شمّ(اغمد) سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإِسلام بعدك نظام أبداً فقال : لا والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي. فخرج إلى (ذي الحسى) و(ذي القصة)، والنعمان بن مقرن وأخواه كما كانوا في التشكيل السابق، ثم نزل أبو بكر بمن معه إلى الرَبَذة بالأبرق وقاتل المنافقين وغلبهم، فولّوا الأدبار، ورجع أبو بكر إلى المدينة، وجاءت صدقات كثيرة إلى المسلمين تزيد على حاجاتهم.
وكان أبو بكر عندما عاد إلى المدينة بعد أن شيعَ جيش أسامة قد جعل كبار الصحابة على منافذ المدينة إلى البادية، ومنهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وطلب من أهل المدينة أن يكونوا في المسجد استعداداً لكل طارئ، وقال لهم: إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم قلة، وإنكم لا تدرون أليلاً تؤتون أما نهاراً وأدناهم منكم على بريد، وقد كان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم، ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدّوا.
كان أبو بكر يريد أن يؤخر قتال المنافقين والمرتدين حتى يعود جيش أسامة، لذا كان يستقبل الرسل ويبعث بآخرين، إلا أنه في الوقت نفسه أراد بعض المنافقين أن يستغلوا الفرصة ويهاجموا المدينة قبل عودة الجيش الإِسلامي من بلاد الروم، وقبل استكمال المسلمين لقوتهم. فلم تمض أيام ثلاثة على عودة أبي بكر إلى المدينة من تشييع أسامة حتى داهمت المدينة غارة ليلاً، وقد اطمأن المغيرون إلى أن الجيش الإِسلامي قد ابتعد عن المدينة وأوغل في البعد.
وصلت الغارة إلى المدينة المنورة وقد خلفت وراءها قوةً ردءاً لها في ذي حسى(موقع قرب المدينة)، وعندما طرقت الغارة الأنقاب وجدت عليها المقاتلة، ووراءهم أقوام أشبه بالمراسلين، فأوصلوا الخبر إلى أبي بكر في المسجد، فأرسل أبو بكر إلى المقاتلة عن الأنقاب أن اثبتوا، وسار بأهل المسجد إلى الأنقاب، فانهزم المغيرون وولوا الأدبار، ولحقهم المسلمون على إبلهم حتى (ذي حسى)، فوجدوا الردء هناك، وقد نفخوا الأنحاء(ضروف السمن)، وربطوها بالجبال، ودهدهوها(دفعوها) بأرجلهم في وجه إبل المسلمين، فنفرت الإبل ورجعت بالمسلمين إلى المدينة، فأرسل المنافقون إلى إخوانهم في ذي القصة (مكان يبعد 35 كيلو متراً عن المدينة) بالخبر، فأسرعوا إليهم، وحضر أبو بكر ليلته، ثم خرج في آخر الليل ماشياً، وعلى الميمنة النعمان بن مقرن، وعلى الميسرة عبد الله بن مقرن (أخو النعمان)، وعلى الساقة سويد بن مقرن (أخو النعمان)، فلما أصبح الصباح لم يشعر المنافقون إلا والمسلمون يعجلون فيهم السيف. فلما كانت ضحوة ذلك النهار ولّى المنافقون الأدبار، ووصل المسلمون إلى (ذي القصة)، ترك أبو بكر النعمان بن مقرن في عدد من المسلمين، ورجع هو بالناس إلى المدينة.
ارتفعت معنويات المسلمين في هذا النصر، وثبت مسلمو القبائل على دينهم، وجاء نصر آخر إذ وصلت إلى المسلمين أموال الصدقات من عدة جهات، فقد جاء صفوان بن صفوان بن أسيد التميمي بصدقات بني عمرو من تميم وذلك في أول الليل من جهة النقب الذي عليه سعد بن أبي وقاص. وجاء الزبرقان بن بدر في وسط الليل بصدقات من غطفان من جهة النقب الذي عليه عبد الرحمن بن عوف وجاء عدي بن حاتم الطائي في آخر الليل بصدقات قومه من جهة النقب الذي عليه عبد الله بن مسعود، وكان ذلك بعد مسير جيش أسامة بن زيد بشهرين كاملين، ثم كان النصر الثالث إذ لم تمض عشرة أيام حتى رجع جيش أسامة غانماً ظافراً، فاستخلف أبو بكر أسامة بن زيد على المدينة، وقال له: أريحوا وأريحوا ظهركم، ثم خرج في الذين خرجوا إلى (ذي القصة) والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون : ننشدك الله يا خليفة رسول الله، أن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامكم أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن تصب أمرت آخر، وجاء علي بن أبي طالب بزمام راحلة وقال له: أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد: شمّ(اغمد) سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإِسلام بعدك نظام أبداً فقال : لا والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي. فخرج إلى (ذي الحسى) و(ذي القصة)، والنعمان بن مقرن وأخواه كما كانوا في التشكيل السابق، ثم نزل أبو بكر بمن معه إلى الرَبَذة بالأبرق وقاتل المنافقين وغلبهم، فولّوا الأدبار، ورجع أبو بكر إلى المدينة، وجاءت صدقات كثيرة إلى المسلمين تزيد على حاجاتهم.
البعوث
بعدما ارتاح جند أسامة، عقد أبو بكر أحد عشر لواءً لقتال المُرْتدِّيْن في كل أنحاء الجزيرة العربية وهم:
بعدما ارتاح جند أسامة، عقد أبو بكر أحد عشر لواءً لقتال المُرْتدِّيْن في كل أنحاء الجزيرة العربية وهم:
- خالد بن الوليد: وأرسله إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة اليربوعي التميمي بالبطاح (منزل لبني يربوع، وقيل ماء في ديار بني أسد بن خزيمة، وتقع جنوب وادي الرقة في بعض الأودية المتجهة إليه من الجنوب).
- عكرمة بن أبي جهل: وأرسله إلى مسيلمة الكذاب الحنفي في اليمامة.
- شرحبيل بن حسنة: وأرسله دعماً إلى عكرمة بن أبي جهل في اليمامة.
- المهاجر بن أبي أمية: وبعثه لقتال أتباع الأسود العنسي في اليمن، فإذا فرغ سار إلى حضرموت.
- عمرو بن العاص: وسيره إلى قضاعة في الشمال.
- خالد بن سعيد بن العاص: ووجهه إلى مشارف الشام.
- حذيفة بن محصن: وأمره بالحركة إلى أهل دَبا.
وبعد أن قاتل أبو بكر الصديق عبس وذبيان (بالأبرق) من أرض (الرَّبّذة) وهزمهم، اتجه قسم منهم إلى (البزاخة)، وهي ماء لبني أسد، وهناك طليحة بن خويلد الأسدي، فلما عقد أبو بكر الألوية، طلب من خالد أن يسير إلى أرض طيء لتنخذل طيء وعبس وذبيان، وأظهر أن أبا بكر سيتجه إلى خيبر ومن هناك سيرفد خالداً في بلاد طيء.
ارتد طليحة بن خويلد
سار خالد بن الوليد إلى بلاد طيء ولكن عدي بن حاتم طلب من خالد أن يمهله ثلاثة أيام ليكسب إليه قومه ففعل، ومن بلاد طيء، نزل خالد إلى (بُزاخة)، وقتلت طليعته عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، ولما التقى الجماعة هزم عيينة بن حصن مع قومه فزارة، فانفصل عن القوم، وفرّ طليحة بعدها نحو بلاد الشام، وكان طليحة قد ارتد في أيام رسول الله فارسل إليه ضرار بن الأزور، فنزل المرتدون في (سميراء) وبدأ عددهم بالتناقص، وفي هذه الأثناء توفي رسول الله، فزاد عدد المرتدين وانضمت غطفان بإمرة عيينة بن حصن إلى بني أسد، وكانوا قد خالفوا طيئاً (عوف وجديلة وغوث)، فلما انضمت غطفان إلى أسد فرّ ضرار بن الأزور ببعض من معه إلى المدينة، وانفضت جموعه. وعندما جاء خالد وهزم أعداءه في البزاخة أسلمت أسد وعامر وغطفان.ردة سجاح
بعد انتهاء خالد من بني أسد وأحلافهم اتجه بأمر من الخليفة إلى بني يربوع في تميم في البطاح وعليهم مالك بن نويرة. وكان الخلاف في بني تميم على أشده وقد جاءتهم سجاح من الجزيرة بتغلب فدخلت بلادهم. ولما عادت سجاح إلى الجزيرة، تحير بنو تميم الذين وادعوها، وندموا على ما كان منهم، ولم يلبثوا طويلاً حتى وصلت إليهم جيوش خالد بن الوليد.ردة نجد
سار عكرمة بن أبي جهل إلىمسيلمة بن حبيب في اليمامة،وهي الجهة الجنوبية من نجد وتبعه شرحبيل بن حسنة، ولكنه لم يدركه، وكان عكرمة قد أسرع فهزمته جموع بني حنيفة فبقي شرحبيل ينتظر المدد، وجاء أمر أبي بكر لعكرمة بالانتظار أيضاً، وإذا فرغ سار إلى حذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة لقتال المرتدين في عمان حتى يلتقوا مع المهاجر بن أبي أمية الذي يكون قد فرغ من اليمن وسار إلى حضرموت.وكان خالد قد عاد إلى المدينة والتقى بأبي بكر وذلك بعد الانتهاء من البطاح، فاعتذر لأبي بكر فرضي عنه، وأرسله إلى مسيلمة الكذاب، فسار إلى البطاح والتقى بجنده هناك وانتظر حتى جاءه المدد، فقام إلى مسيلمة. ولما وصل إليها كان شرحبيل بن حسنة قد سابقه في قتال القوم فهزم، وكان يساعده بعض بني حنيفة بإمرة ثمامة بن أثال، فلام خالد شرحبيل في تسرعه: وعسكر مسيلمة في بني حنيفة في عقرباء في أعلى وادي حنيفة - وتسمى اليوم الجبيلة - وسلك خالد ثنية في جبل اليمامة (طويق) وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب أخو عمر، وأبو حذيفة بن عتبة، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس.
وكان ضرار بن الأزور قد سار في قسم من الجند من ثنية من الشمال، ونزلوا من جهة (ملهم) (قرية من قرى اليمامة، ولا تزال معروفة حتى يومنا، تقع إلى الشمال من الرياض على بعد ستين كلم منها) إلى عقرباء، وجرت معركة حامية الوطيس تراجع المسلمون في أولها حتى دخل بنو حنيفة على خالد في فسطاطه، ثم حمل المسلمون حملة رجل واحد أزالت المرتدين عن مواقعهم، وأجبرت مسيلمة الالتجاء إلى حديقة عرفت باسم حديقة الموت، وفيها صرع مسيلمة الكذاب وعدد كبير من جنده، واستشهد من المسلمين عدد من القراء ووجهاء الناس، منهم زيد بن الخطاب وثابت بن قيس وغيرهم كثير.
ردة عمان
وفي عمان ظهر لقيط بن مالك الأزدي، وغلب عليها، واضطر جيفر وعباد ابنا الجلندي صاحبا عمان الالتجاء إلى الجبال وعلى سواحل البحر، وأرسل جيفر إلى أبي بكر يستنجده، فبعث أبو بكر حذيفة بن محصن إلى عمانوعرفجة بن هرثمة إلى مهرة، وأوصاهما إذا التقيا أن يبتدئا بعمان، وإذا اقتربا منها راسلا جيفرا وعبادا، ثم أتبعهما بعكرمة بن أبي جهل الذي كانت وجهته اليمامة، فلما هزم طلب من الخليفة أن يسير بمن معه إلى عمان.اتجه عكرمة في أثر حذيفة وعرفجة فأدركهما قبل الوصول إلى عمان، وهناك راسلوا جيفرا وعبادا، وعسكر المسلمون في صحار (قصبة عمان مما يلي الجبل، وهي طيبة الهواء والخيرات والفواكه، مبنية بالآجر والساج، كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها. ولا تزال قائمة إلى الآن بين مسقط والفجيرة).
تجمعت جموع لقيط في دبا، وجرت معركة بين الطرفين كاد ينجح فيها لقيط لولا النجدات التي وصلت للمسلمين من البحرين وغيرها، فانتصر المؤمنون، وهزم لقيط، واستولى المسلمون على الغنائم، وارسلوا الخمس مع عرفجة إلى أبي بكر الصديق، وبقي حذيفة يدير شؤون عمان، وسار عكرمة إلى مهرة. وكان القوم فيها قد ارتدوا، إلا أنهم اختلفوا فقسم منهم في السواحل مع (شخريت) وهم أقل عدداً، وبدأ بهم عكرمة، فدعاهم للإِسلام، فوافقوا، الأمر الذي أضعف القسم الثاني الذين كانوا في المناطق المرتفعة مع (المصبح)، فهزموا أمام المسلمين الذين حازوا على الغنائم، فأرسل عكرمة الخمس مع (شخريت) إلى المدينة المنورة.
ردة اليمن
أما اليمن فقد كان عليها عدد من الولاة كلٌ على جزء، وقد ادعى فيها النبوة الأسود العنسي، وأرسل له رسول الله الرسل والكتب، واستمر ذلك حتى مات وهدأت الأمور باليمن، فلما انتقل رسول الله انتقضت اليمن، فالتجأ عمال النبي إلى المسلمين إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص فإنهما عادا إلى المدينة.ووصل الخبر إلى أبي بكر فحارب المرتدين بأن أرسل إليهم الرسل والكتب كما كان يفعل رسول الله فلما رجع جيش أسامة من غزوه، وعقد أبو بكر الألوية، بعث (عَتَّابُ بن أسيد) عامل مكة أخاه خالد بن أسيد إلى المرتدين في تهامة فغلبهم. وتحرك كذلك بتهامة اليمن الأخباث من عك والأشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة، وأخبر بذلك أبا بكر، فانتصر الطاهر قبل أن يصل إليه كتاب وجواب أبي بكر. وأرسل أبو بكر جرير بن عبد الله البجلي إلى بجيلة وخثعم فانتصر عليهم، وأقام بنجران حسب أوامر الخليفة.
وأرسل أبو بكر كتاباً إلى طاهر بن أبي هالة يأمره بأن يسير إلى صنعاء لمساعدة المسلمين، كما كتب إلى عبد الله بن ثور أن يجمع إليه من استجاب له من أهل تهامة، وينتظر التعليمات.
أرسل أبو بكر المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، فسار عن طريق مكة، فمشى معه خالد بن أسيد، ومرّ بالطائف، فمشى معه عبد الرحمن بن أبي العاص، ثم انضم إليه جرير بن عبد الله البجلي بالسراة، وعبد الله بن ثور بتهامة، كما أنضم إليه من نجران فروة بن مسيك، فأوثق المهاجر عمرو بن معد يكرب، وقيس بن عبد يغوث المكشوح وهما من المرتدين، وأرسلهما إلى أبي بكر. ووصل المهاجر إلى صنعاء ودخلها، ولاحق شذاذ القبائل الذين هربوا.
ردة حضرموت
وارتدت حضرموت، وكان عمال رسول الله عليها عكاشة بن محصن وزياد بن لبيد البياضي ثم أرسل إليها المهاجر بن أبي أمية، ولم ينطلق من المدينة بعد حتى توفي رسول الله فسيَّره أبو بكر إلى اليمن، وهو في طريقه إلى عمله الجديد، فوصل إلى صنعاء ودخلها، وكان عمال أبي بكر ينتظرون والي حضرموت الجديد.وسار المهاجر إلى حضرموت، كما سار إليها عكرمة بن أبي جهل، فالتقيا في مأرب، فاقتحما حضرموت، وأرسل خمس الغنائم إلى أبي بكر ومعها الأشعث بن قيس الكندي أسيرا، وبقي في المدينة حتى خرج مجاهداً إلىالعراق، واختار المهاجر بن أبي أمية العمل في اليمن فكان هو وفيروز، وبقي في حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعبيدة بن سعد.
ردة أهل البحرين:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين المنذر بن ساوى فأسلم على يديه، وأقام العلاء فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي المنذر بعده بقليل فارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم المغرور، وهوالمنذر بن النعمان بن المنذر، وقال قائلهم: لوكان محمد نبياً مامات، ولم يبق في البحرين بلدة على الثبات سوى قرية:"جواثا"، وحاصر المرتدون مسلمي جواثا وضيقوا عليهم، حتى منعواعنهم الأقوات وجاع المسلمون جوعاً شديداً .وكان قد قام في جواثا رجل من أشرافهم، وهو الجارود بن المعلى، خطيباً وقد جمعهم فقال: يامعشر عبدالقيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه، ولا تُجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا:سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا:نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمد صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.
وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة في البحرين، فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في حشد كبير، وجاء بعض أُمراء تلك النواحي رفداً إلى جيش العلاء، ولما اقترب من المرتدين وحشودهم الضخمة نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، ودنا من خندقهم فأخذوه، وكانت أمه عجلية، فجعل ينادي: يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: علام أُقتل وحولي عسكر من عجل وتيم اللات وغيرها؟ فخلصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني، فقد مت جوعاً، فقرب له طعاماً فأكل، ثم قال:زودني واحملني،يقول هذا والرجل قد غلب عليه السُكُر، فحمله على بعير وزوده وجوزه. وجد عبد الله بن حذف المرتدين سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إلى العلاء فأخبره، فركب العلاء من فوره بجيشه، وانقض على المرتدين فقتلوهم،إلا قسم استطاع الفرار والهرب.
وغنم المسلمون جميع أموالهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة.
ردة أهل عُمان:
ظهر في عُمان رجل يقال له: ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يُضاهي في الجاهلية الجُلندى، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عُمان، فقهر جيفراً وعبداً، وألجأهما إلى الجبال، فبعث جيفر إلى الصديق رضي الله عنه فأخبره الخبر، وطلب مدداً فبعث رضي الله عنه بأميرين: حذيفة بن محصن، وعرفجة البارقي الأزدي، حذيفة إلى عُمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعُمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.ثم أمر الصديق رضي الله عنه - بعد قهر مسيلمة ومقتله - عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عُمان، ، ثم كتب الصديق إلى حذيفة وعرفجة أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من المسير من عُمان أو المقام بها.فلحق عكرمة بحذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عُمان، فساروا جميعاً فلما اقتربوا من عُمان راسلوا جيفراً من مكان يُسمى "رجاماً"، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فعسكر في جموعه بِدَبَا، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، واجتمع جيفر وعبد بمكان يقال له صُحار فعسكرا به، وبعثا إلى أُمراء الصديق فقدمواعلى المسلمين، قتقابل الجيشان هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وجاء المسلمين في الساعة المناسبة مَدَدٌ من بني ناجية وعبد القيس فقتل من المرتدين عشرة آلاف مقاتل، وتم النصر للمسلمين والقضاء على المرتدين في عُمان.
ردة أهل مَهْرَة:
سار عكرمة بالمسلمين إلى بلاد مهرة، فوجد أهلها جُندين، على أحدهما - وهم الكثرة - أمير يقال له: المصبح أحد بني محارب، وعلى الآخر الجند الآخرين أمير يقال له: شخريت، وهما مختلفان، وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين، فراسل عكرمة شخريتاً فأجابه، وانضاف بقواته إلى عكرمة، وتمادى المُصَبح على طغيانه، مغتراً بكثرة من معه ومخالفته لشخريت، فسار إليه عكرمة ومن معه، فاقتتلوا مع المصبَّح أشد من قتال دَبَا، وتم النصر للمسلمين، وقتل المصبح وفر من كان معه.ردة أهل اليمامة :
قال مسيلمة لأتباعه وقومه قبيل المعركة الفاصلة بينه وبين المسلمين: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تُستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم وأمنعوا نسائكم.وتقدم خالد رضي الله عنه بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يُشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب، وراية المُهاجرين مع سالم مولى أبي حُذيفة، وهو على الميمنة، وعلى الميسرة شجاع بن وهب، وعلى الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليهاأسامة بن زيد ، وقاتل البراء راجلاً، ثم أعاده خالد على قيادة الخيل فصنع الأعاجيب.وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها.
وكانت الصدمة الأولى في المعركة عنيفة قاسية، انهزم الأعراب خلالها، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد، وهموا بقتل أم تميم زوجته. وتنادى كبار الصحابة وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم، و نادوا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار، وصار البراء بن معرور كالأسد الثائر، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بَطُلَ السحر اليوم، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتاً حتى استشهد رضي الله عنه.
وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نُؤتي من قِبَلَك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس، عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قُدُماً،وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأُكلمه بحجتي، فقتل شهيداً رضي الله عنه.
وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى اخترق صفوف المرتدين ووصل قُبالة مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا للمبارزة،ثم نادى بِشعار المسلمين، وكان شعارهم يومئذ: يا محَّمداه، وجعل لا يبرز إليه أحد من المرتدين إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا صرعه،واقترب خالد رضي الله عنه من مسيلمة، وعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فأبى، فانصرف عنه خالد وعزل الأعراب عن المهاجرين والأنصار، وجعل كل قبيلة على رايتها يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يُؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى المرتدون الأدبار.
وتبع المسلمون المرتدين يقتلون منهم وهم مدبرون، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخلوها، فدخلوها وفيها مسيلمة، وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وقال قائل: يا أبا ثمامة، أين ما كنت وعدتنا؟ فقال أبو ثمامة - أي مسيلمة -: أما الدين فلا دين،ولكن قاتلواعن أحسابكم، فاستيقن القوم أنهم كانوا على غيرشيئ.وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة.
وقال البراء بن مالك:يامعشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة،فاحتملوه فوق التروس، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم،فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية لا محالة.
ووصل المسلمون في الحديقة إلى مسيلمة، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، يخرج الزبدُ من شدقيه من غيظه وحرج موقفه وانهيار بنيان زعامته، فتقدم وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة رضي الله عنه - فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من قصر مسيلمة: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود (أي وحشي).
يقول وحشي: فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، رأيت مسيلمة الكذاب قائماً في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يُريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري - عبد الله بن زيد - بالسيف فربُك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس.
ليست هناك تعليقات: